الاثنين، 26 أكتوبر 2009

«استغاثة» من أجلك أنت







بقلم د. محمود عمارة
حمّلنى أصحاب الجلاليب الزرقاء «استغاثة» عاجلة إلى «أمين السياسات» جمال مبارك بمناسبة المؤتمر السنوى للحزب الحاكم.. باعتباره المسؤول الأول عن وضع السياسات للحكومة، منها ما أثبت نجاحاً فى بعض القطاعات.. ومنها ما فشل فشلاً ذريعاً كما حدث بقطاع الزراعة.. الذى أوصلتنا الفوضى به إلى «إفلاس غذائى» وشيك. ما وصلنى من «استغاثات» أجبرنى على أن أتوقف بقطار الوطن «فى محطة الفلاحين» الشقيانين، المهددين بالإفلاس، والمهددة أراضيهم بالبوار.. وها هى الرسالة :




السيد أمين السياسات:
هل تعلم أن مجمل تكاليف زراعة الفدان من أسمدة، ومبيدات، و«تقاوى»، وكهرباء، وقيمة إيجارية وخلافه، قد ارتفع بنسبة ٣٤٦٪ عما كان عليه منذ أربع سنوات.. فى الوقت الذى انهارت فيه أسعار المحاصيل (سعر إردب «القمح» من ٣٨٠ جنيهاً فى ٢٠٠٧ إلى ١٥٠ جنيهاً، و«الذرة» من ٢٤٠ إلى ٨٠ جنيهاً حالياً وهكذا فى كل المحاصيل، عدا «اللب»، و«البرسيم») مما جعل كثيراً من المستأجرين يردون الأرض إلى أصحابها، والآخرين يتركونها «بوراً» لتسقيعها حتى تتغير الظروف!
وهل قالوا لك الحقيقة فيما جرى للقطن المصرى، والأيدى الخفية «المحلية» التى تسببت فى تدميره لتنخفض صادراتنا بنسبة ٩٢٪ (حسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء)، (ولدينا المستندات لمن يريد التحقيق الجنائى فى هذا الموضوع)!!
وهل قرأت «التقرير» الذى يثبت أن هيئة الصرف الصحى التابعة لوزارة الإسكان، بعد أن أطلقت مياه المجارى فى الترع.. اكتشفنا ما هو أخطر وأفظع، ولا يعرفه الكثيرون حتى الآن.. اكتشفنا أن «الهيئة» متعاقدة مع بعض السماسرة لتسليمهم مخلفات المجارى الصلبة (براز الإنسان) وتدفع لهم ١٢ جنيهاً لكل متر مكعب باعتبار أن لديهم مدافن صحية لدفن هذه المخلفات.. وهو ما يخالف الواقع والحقيقة.. فهؤلاء يقومون بتجفيفها (وليس بدفنها) ويبيعونها «ناشفة» لبعض مزارعى الخضر والموز لاستخدامها كسماد عضوى اسمه «بودريت» أو ما يعرف بـ«الحمقة»، وهذا محرم استخدامه دولياً لما ينتج عنه من أمراض خطيرة!! تقرير منظمة الصحة العالمية صنف مصر بأنها «الأولى» فى العالم فى ارتفاع نسبة الدايوكسوين المسرطن فى لبن الأمهات، بسبب تلوث الغذاء فى المحروسة!!
(اخطف رجلك إلى محطة صرف القطامية لتعاين بنفسك، واسألهم: ماذا تفعلون بالمخلفات الصلبة؟)
وهل لديك خبر بأن معظم قوانين الزراعة لم تتغير منذ ٣٠ عاماً، وأكثر.. مثال (قانون منع تربية الأسماك فى مياه نظيفة).. هذا القانون تسبب فى منع تصدير الأسماك المصرية إلى الأسواق الأوروبية.. رغم أن معظم أسماكنا فى الواقع تزرع في مياه نظيفة.. ولكن مادام هذا القانون لم يتغير على الورق، سيظل الاتحاد الأوروبى يمنع دخول أسماكنا.
وهل لديك معلومات بأن الاستثمارات فى الزراعة أصبحت شبه منعدمة، بسبب الإجراءات والتشريعات المتخلفة فى تقنين الأراضى لمن زرع زراعات جادة وحقيقية.. وأسألك: هل من الأفضل للدولة أن تبيع الأرض لمستثمر ثم نحايله ونترجاه حتى يزرع (كما حدث مع الوليد بن طلال).. أم تقنن لمن زرع بالفعل، بعد أن حددت له الدولة سعر الفدان؟
ولماذا لا تتعلمون من «بوركينا فاسو» فى إجراءات التملك، وما لديهم من تسهيلات لكل من يغامر بغزو الصحراء، جعلتهم «أولى» دول أفريقيا الآن فى تصدير «القطن»، وفى الحبوب اكتفوا ذاتياً بعد خمس سنوات من العمل الجاد، وبعيداً عن التهريج!!




والحل يا سيادة الأمين:
١- تغيير فورى لكل التشريعات البالية، والقوانين العقيمة، مع كنس وزارة الزراعة وتنظيفها بعد أن أصبحت «الفضائح» على كل لسان!!
٢- دعم فورى لكل من يزرع أى محصول نستورده (قمح - ذرة - بقوليات - نباتات زينة - قصب سكر.. إلخ).. وراجعوا أنفسكم فى السياسات المريبة التى «تحارب» المنتجين، وتدعم السماسرة والوسطاء من المصدرين.. فبأى منطق أو أخلاق نرصد ٤:٢ مليار دعماً لجيوب الوسطاء، ونحبس «الفلاح» العاجز عن سداد ألفى جنيه مديونية لبنك التنمية الزراعى، وما أدراك ما بنك التنمية وما يحدث فيه، وهو الذى يحصل على قروض أوروبية بفائدة ١٪ ليقرضها للفلاح بـ١٢ و١٣٪ ليوزعوا ٢٠ شهراً مكافأة للسادة المديرين!!
٣- استثمار فورى لعدة مليارات بهذا القطاع، وتشجيع حقيقى لكل من يغامر بزراعة الصحراء حتى يمكن تحقيق البرنامج الانتخابى للرئيس، الذى لم يتحقق منه سوى ٦٪ بعد ٤ سنوات، وأنت تعلم أن حديث العالم الآن عن نقص الغذاء، والارتفاع المؤكد لأسعاره عندما سيصل سعر برميل البترول إلى مائة دولار، وها نحن نقترب!!
- والحل البديل:
إذا كنا عاجزين ومشلولين فالبديل: أن تسمحوا لكل فلاح بزراعة ٧٪ من أرضه بالبانجو أو الخشخاش أو القنب الهندى أو حتى الكيف المغربى.. وهذا هو الحل الوحيد لإنقاذ الفلاح من الإفلاس، ولاستمرار الزراعة فى مصر!!
سيادة الأمين:
«من أجلك أنت».. ولأجل طموحاتك ومن أجل هذا الشعب المغلوب على أمره، عليكم بالتدخل الحاسم، ووضع سياسة زراعية جادة.. وإلا فـ«المجاعة» قادمة لا محالة.. ووقتها لا تلومُنَّ إلا أنفسكم!!
اللهم إنى قد أبلغت المسؤول الأول عن السياسات.. اللهم فاشهد.

الجمعة، 10 يوليو 2009

الفقر بالأرقام

”تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين”



لقد دأبت منظمة الأمم المتحدة كل سنة على نشر الكثير من الأرقام التي سأوجز بعضها قبل الدخول في الحقائق التي تدين "جزيرة الأغنياء" أو الدول الأكثر غنى في العالم، والتي تحملها جزءا كبيرا من المسؤولية عن حالة الفقر التي تسود كوكب الأرض والتي تعطي فكرة عن حجم الأزمة التي تقترب كل يوم من حدود الكارثة.


- يعيش فوق كوكب الأرض 6 مليارات من البشر يبلغ عدد سكان الدول النامية منها 4.3 مليارات، يعيش منها ما يقارب 3 مليارات تحت خط الفقر وهو دولاران أميركيان في اليوم، ومن بين هؤلاء هنالك 1.2 مليار يحصلون على أقل من دولار واحد يوميا.
- وفي المقابل توضح الإحصاءات الغربية بالأرقام أن الدول الصناعية تملك 97% من الامتيازات العالمية كافة، وأن الشركات الدولية عابرة القارات تملك 90% من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة غنية.

- وفي البلدان النامية نجد أن نسبة 33.3% ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة صالحة للشرب والاستعمال، و25% يفتقرون للسكن اللائق، و20% يفتقرون لأبسط الخدمات الصحية الاعتيادية، و20% من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف الخامس الابتدائي، و20% من الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.

- وفي المقابل تبلغ ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.

- وبينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.

- وتبرز كل هذه الأرقام الخلل الكبير الحاصل في تمركز رأس المال العالمي، وهو خلل لا يمكن تجاهل تفاعلاته السلبية وما يترتب عليها من آثار وخيمة على البشرية، كما توضح ما آل إليه حال الإنسانية في التغاضي عن هذه الفضيحة الأخلاقية التي تهدد على نحو خطير السلام الاجتماعي.

لكن الأخطر من كل ذلك هو ما تشير إليه البحوث والدراسات وصيحات الخبراء التي تضيع وسط الصرخات الأعلى، حيث يؤكد هؤلاء أن وضع الفقراء اليوم يرجع لأسباب كثيرة لا تتمثل فقط فيما ترزح تحته الدول النامية من جهل وتخلف وغياب للديمقراطية التي تمثل سيادتها الجو المناسب لتصميم الحلول وتطبيقها، لكن الدول المتقدمة أو الدول الأغنى تتحمل الجزء الأكبر من تلك المسؤولية. ويؤكد هؤلاء أن هذه الأسباب حولت الوضع الاقتصادي العالمي إلى مصب سحيق تجري فيه ثروات العالم إلى جيوب الأغنياء ليزدادوا غنى، وأن الوضع بلغ حدا من الخطورة تصعب معه الحلول الرامية إلى الحد من هذا الانحدار وبقاء النزر اليسير من هذه الأموال في جيوب الفقراء الذين يزدادون فقرا.

منقول من الجزيرة نت