الملاحظة الثالثة
أن مختلف القرائن تدل على أن ما سمي بسياسة ترشيد الدعم، ومن ثم رفعه بصورة تدريجية، هي الآن في طور الاختبار في بعض المحافظات تمهيدا لتعميمها. إذ بالإضافة إلى التصريحات الرسمية التي تكررت في هذا الصدد، نشرت الصحف أن الفكرة سوف تم تجربتها في محافظة السويس
وفي الحوار الذي أجراء زميلنا فاروق جويدة مع الدكتور أحمد نظيف ونشره يوم الجمعة 16/11، قال رئيس الوزراء أن النية متجهة إلى رفع الدعم للسلع وتحويله إلى دعم نقدي، وهو مشروع سينفذ على مراحل تبدأ بمن يطلب الدعم النقدي، وفي طور لاحق تتولى مؤسسات الشؤون الاجتماعية إجراء مسح يتحدد في ضوئه الأفراد والفئات التي تستحق الدعم، وتلك التي لا تستحقها
وهو يشرح الفكرة ضرب الدكتور نظيف مثلا
أنبوبة البوتاجاز التي تباع بثمانية جنيهات، في حين أن القيمة الحقيقية لها 40 جنيها، وإذا كانت الأسرة تستخدم أنبوبتين في الشهر، فإنها ستتلقى 80 جنيها نقدا لهذا الغرض، وفيما يتعلق بالخبز، فإن الرغيف الذي يباع بخمسة قروش يكلف الدولة 25 قرشا، وفي هذه الحالة فإن الدولة ستقرر لكل فرد من الفقراء 75 قرشا قيمة ثلاثة أرغفة لكل يوم
اما القادرون فسوف يشترون السلعة بسعرها الحقيقى. أضاف الدكتور نظيف أن موضوع إلغاء الدعم تدرسه الحكومة منذ عامين، وأنها طلبت من البنك الدولي أن يفيدها بما حققته خبرات الدول الأخرى في هذا المجال، وأشار في حديثه إلى المكسيك، حيث يبدو أن فكرة البدل النقدي طبقت بصور مختلفة في دول أمريكا اللاتينية، تشيلي والبرازيل فضلا عن المكسيك.
في نفس الأسبوع الذي تحدث فيه الدكتور نظيف، نشرت مجلة نيوزويك ملفا عن تجارب دول أمريكا اللاتينية في مكافحة الفقر، وقالت ان فكرة إلغاء الدعم وتوزيع بدل نقدي على الفقراء تنطلق من أن التجربة أثبتت أن الدفع النقدي لتحسين أحوالهم أجدى وأفضل كثيرا من إهدار المال على بيروقراطية التخفيف من الفقر، التي تمثلت في دعم السلع والخدمات، الذي يستفيد منها غير الفقراء
ولكن هذا الدفع مشروط، حيث تلزم الأسرة التي تتلقى النقد أن تبقي على أولادها في المدارس، وأن تصطحب أطفالها كل شهر إلى العيادة الصحية المحلية، لان من شأن ذلك أن يربى في الأسرة جيلا نافعا يستطيع أن يتحمل أعباءها في المستقبل. وهناك من يشكك في نجاح العملية، معبرا عن الخشية من أن تتصور الأسرة الفقيرة أن تلقيها للأموال من الدولة هو وضع دائم ونظام حياة مستقر، وليس برنامج مساعدة طارئة.
ما أريد أن أقوله أن الأمر بالغ الصعوبة والتعقيد، وأن ما حققته التجربة في أمريكا اللاتينية لا يعني بالضرورة أنها يمكن أن تنجح في مصر. فحصر الفقراء مشكلة، والاعتماد على البطاقات التموينية لا يحلها، علما أن هناك أعدادا هائلة من الفقراء لا علاقة لهم بالبطاقات، وأطفال الشوارع نموذج واحد لهؤلاء. من ناحية أخرى فإن توزيع البدل النقدي يتطلب جهازا إداريا قويا ونزيها. ولأننا نعلم كم الفساد في المحليات فلنا أن نتصور ما يمكن أن تفعله تلك الأجهزة الفاسدة حين تؤتمن على توزيع ملايين الجنيهات على الفقراء، ولنا تجارب مريرة مع تلك الأجهزة في مشروعات توزيع المساكن الشعبية وفي ممارسات الجمعيات الزراعية في القرى